أحس الشاب بحبل الخديعة يلتف حول عنقه، ولكنه راقب الله تعالى، ورفض السقوط، فطلب منها أن تتركه ليدخل المرحاض ليغتسل من الأوساخ ثم يستجيب لطلبها، فلما رجع وجدته قد غطى جلده وثيابه بقاذورات المرحاض وانطلقت منه رائحة كريهة..فصرخت المرأة في وجهه وطردته من بيتها وهي تشتمه.
فلما بلغ بيته اغتسل..فكانت المفاجأة العجيبة؟
لقد انبعثت منه رائحة المسك، ولازمته في كل مكان حتى مات، وسماه الناس بالمسكي..ف{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }الرحمن60
والآن، لعلك تسألني يا ولدي بإلحاح:
كيف لم يفعلها يوسف الكريم؟ كيف نجا رغم الحبال القوية؟ وإلى من لجا رغم القيود المستحكمة؟
إن أردتَ الجواب مختصرا فهو في عبارة جميلة قوية قالها يوسف الطاهر: مَعَاذَ اللّهِ.
وإن أردته مفصلا على شكل وصفة طبية ربانية كتبتُها لك بروحي قبل يدي، وشفعتُها بدعائي أن يحفظك الله تعالى من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
الوصـفـة الـطبـيــة:
على ظهر هذه الوصفة كتب لك الطبيب:
إن كنتَ قويا حقا، شجاعا صدقا، وكنت تريد السعادة فعلا، وترجو النجاة في الدارين قولا وعملا..فهذه حِميتُـك، وهذا دواؤك.
إياك أن تتهاون في تناوله، فمصيرك، ومصير أسرتك، ومصير وطنك، ومصير أمتك بين يديك..فهل تكون في مستوى الأمانة، أم أنك لا تقدر على مفارقة الخيانة؟
أجبْ صريحا مع نفسك، فإني أرى جمرة العفاف ما تزال متوهجة في صدرك رغم رماد الفتن الذي غطاها..انفُض الرماد عنك، وقم يرعاك الله لتناول الدواء.. واصرخ في وجه كل شهوة تريدك ضحية لها:
معاذ الله.
رأس الحمية: أن تكون صلتك بالله قوية صافية جميلة ملؤها أنوار المحبة، وقطراتها دموع الخوف منه، وبسمتها رقة الرجاء في رحمته...فإن حضرتْ هذه المعاني في قلبك أشرقت شمسُ مراقبته في قلبك فلا تغيب أبدا.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة*** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها*** إن الذي خلق الظلام يراني
ولذلك كان جزاؤك مضاعفا يوم القيامة: فقد نشأت في طاعة الله، وكنت رجلا دعته امرأة(فتاة) ذات منصب وجمال، فأجبتها:كلا إني أخاف الله..فماذا تظن بربك الكريم وقد تركت معصيته خوفا منه:
إنك الآن حجزت-إن شاء الله- مكانا إلى جوار ستة آخرين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
لا يكن بيتك من زجاج: فإنه سرعان ما ينكسر..ولذلك عليك بالفرار من كل ما يكون سببا للسقوط...أليس يوسف قدوتُك قد فـرّ قبلك؟
[size=21]خذ قرارا حاسما لا تردد فيه ولا تسويف..قاطع كل رفقاء السوء:ذكورا وإناثا.
إياك والخلوة بالفتاة، ولا تكذب على نفسك وعليها بأن تقول لي: إنها مثل أختي، أو أن علاقتكما بريئة جدا أو..فرسولك الذي تحبه ينصحك بوضوح وحسم: (ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)..لا تتساهل في الأمر، فإن الشيطان يمد أمامك بساطا جميلا بريئا تسير فيه بخطواتك حتى تهوي في نهايته في بئر عميقة لن تستطيع تفاديها.
واحذر: فالهاتف، ومواقع المحادثة(الشات)، والتلفاز والأقراص المدمجة..كلها وسائل قد تتحول إلى شِباك ملتفة بعنقك..فإياك ثم إياك من باب يأتيك منه الشر والندم.
لا تطلق نظرك في كل الجهات لتتبع به ما سيعود عليك بالضرر.
[/size]
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها*** من الحرام ويبقى الوزر والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها*** لا خير في لذة من بعدها النار
إياك والفراغ: فالنفس الفارغة العاطلة أمارة بالسوء، والنفس التي تتحرك بنشاط في اكتساب الخير ونشره، لا وقت لديها للسقوط.
ولذلك بني الحبيب: اجعل لنفسك برنامجا غنيا تملؤه بعبادة ربك، ومساعدة والديك، والإقبال على دراستك أو حرفتك، وتغذية روحك وعواطفك بالمطالعة النافعة، والرياضة الممتعة رفقة أصحاب أنقياء، وتعلم في العطل مهارات مفيدة..اشغل نفسك بالحق قبل أن تشغلك بالباطل.
استعن بنصيحة نبيك الكريم فقد ناداك مع أقرانك: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ.(وجاء أي وقاية)..وقد أثبت العلماء اليوم أن إنتاج الهرمون الجنسي يكاد يكون معدوماً أثناء الصوم، مما يخفف عنك ضغوط الشهوة.
وكن يا بني دائم الدعاء والتضرع لربك أن يحفظك، ومن كل مهاوي التلف أن يحميك..فكذلك كان يوسف العفيف داعيا ربه تعالى:{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }يوسف33-34..وعلى الدرب نفسه سار نبيك الحبيب إذ كان يدعو ربه: فيَقُولُ "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى".
هل تعرف يا ولدي الحبيب نهاية قصة يوسف عليه السلام لَمَّا أخذ بهذه الوصفة الربانية:
لقد أعاذه ربه وحماه، واصطفاه وكافأه على ذلك بالتمكين في الأرض, وجعله على خزائن الأرض، وملكه تلك البلاد، وجمع له الحكم والعلم، وجمعه بأبويه وإخوته.. وفوق ذلك كله أنعم عليه بالنبوة والرسالة..فصارت قصة عفافه وطهارته مضرب الأمثال، ونموذجا رائعا لكل الأجيال.
ولدي المبارك:
ها قد بلغت معي نهاية هذه الكلمات، فإن أخذتَ بهذه الوصفة الإيمانية، وقاومتَ إغراءات النفس ووساوس الشيطان، وارتفعتَ عاليا فوق نداءات الغواية المحيطة بك... أحسستَ بلذة الانتصار ونشوة السمو، وفزتَ لا شك بتوفيق الله تعالى، ونلتَ شهادات الفلاح وأوسمة النجاح:{قد أفلح من تزكى}الأعلى:14، {والذين هم لفروجهم حافظون.... أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}المؤمنون:5.
فهذه طريقك نحو الفردوس يا ولدي، فهل ستسير فيها؟
نعم سأسير، هكذا سمعتك تقول، وهاهي قدمك واثقةً قوية قد بدأت رحلتها المباركة نحو الفردوس..وتذكر دائما أنك قادر أن تكون يوسف زمانك...نعم قلها قوية صادقة: أنا قادر أن أكون يوسف زماني.
وفقك الله تعالى يا ولدي، وحفظك من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن، وجمعني وإياك في جنته ومستقر رحمته.
الحمد لله رب العالمين